كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كتب} أي: قدّر وقضي على سبيل الحتم الذي لابد منه تعبيرًا باللازم عن الملزوم {عليه} أي: على ذلك الشيطان {أنه} أي: الشأن {من تولاه} أي: فعل معه فعل الولي مع وليه باتباعه والإقبال على ما يزينه {فإنه يضله} بما يبغض إليه من الطاعات، فيخطىء سبيل الخير {ويهديه} أي: بما يزين له من الشهوات الحاملة على الزلات {إلى عذاب السعير} أي: النار، ثم ألزم الحجة منكري البعث بقوله تعالى: {يا أيها الناس} أي: كافة ويجوز أن يراد به المنكر فقط {إن كنتم في ريب} أي: شك وتهمة وحاجة إلى البيان {من البعث} وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها فتفكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أنّ القادر على خلقكم أوّلًا قادر على خلقكم ثانيًّا، ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر مراتب الخلقة الأولى أمورًا سبعة:
المرتبة الأولى: قوله تعالى: {فإنّا خلقناكم} بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء {من تراب} لم يسبق له اتصاف بالحياة، وفي الخلق من تراب وجهان؛ أحدهما: أنا خلقنا أصلكم وهو آدم عليه الصلاة والسلام من تراب كما قال تعالى: {كمثل آدم خلقه من تراب} [آل عمران]، الثاني: من الأغذية والأغذية إمّا حيوانية وإما نباتية وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعًا للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء، فصح قوله تعالى: {إنا خلقناكم من تراب}.
المرتبة الثانية: قوله تعالى: {ثم من نطفة} وحالها أبعد شيء عن حال التراب فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال تعالى: {من ماء دافق} وأصلها الماء القليل؛ قاله البغوي، وأصل النطف الصب؛ قاله البيضاوي.
المرتبة الثالثة: قوله تعالى: {ثم من علقة} أي: قطعة دم حمراء جامدة ليس فيها أهلية للسيلان، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة.
المرتبة الرابعة: قوله تعالى: {ثم من مضغة} أي: قطعة لحم صغيرة وهي في الأصل قدر ما يمضغ {مخلقة} أي: مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب يقال: خلق السواك والعود سوّاه وملسه من قولهم صخرة خلقاء إذا كانت ملساء {وغير مخلقة} أي: وغير مسوّاة، فكأنّ الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة وأملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم، هذا قول قتادة والضحاك، وقال مجاهد: المخلقة الولد الذي يخرج حيًّا وغير المخلقة السقط، وقال قوم: المخلقة المصوّرة وغير المخلقة غير المصوّرة، وهو الذي يبقى لحمًا من غير تخطيط وتشكيل، واحتجوا بما روى علقمة عن عبد الله بن مسعود موقوفًا عليه قال: إن النطفة إذا استقرّت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال: أي رب مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال: غير مخلقة قذفها في الرحم دمًا، ولم تكن نسمة، وإن قال: مخلقة قال الملك: أي رب ذكر أم أنثى، وشقيّ أم سعيد، ما الأجل ما العمل ما الرزق بأي أرض تموت؟ فيقال له: اذهب إلى أمّ الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أمّ الكتاب فينسخها، فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفتها، والذي أخرجاه في الصحيحين عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطفه، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» فكأنه تعالى يقول: إنما نقلناكم من حال إلى حال، ومن خلقه إلى خلقة {لنبيّن لكم} بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا، وإنّ من قدر على خلق البشر من التراب والماء أوّلًا، ثم من نطفة ثانيًّا، ولا تناسب بين التراب والماء وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظامًا قدر على إعادة ما أبدأه بل هو أدخل في القدرة من تلك وأهون في القياس، وورود الفعل غير معدّى إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يحيط به الوصف ولا يكتنهه الذكر {ونقرّ في الأرحام} أي: من ذلك الذي خلقناه {ما نشاء} إتمامه {إلى أجل مسمى} هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه آخر أربع سنين بحسب قوّة الأرحام وضعفها، وقوّة المخلقات وضعفها وكثرة تغذيه من الدماء، وقلته إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا باريها جلت قدرته وتعالت عظمته، وما لم نشأ إقراره مجته الأرحام وأسقطته دون التمام، أو تحرقه فيضمحل.
المرتبة الخامسة: قوله تعالى: {ثم نخرجكم طفلًا} وهو معطوف على نبين، ومعناه خلقناكم مدرّجين هذا التدريج لغرضين أحدهما: أن نبين قدرتنا، والثاني: أن نقرّ في الأرحام من نقرّ حتى تولدوا في حال الطفولية من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر، وجميع الحواس لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم وعظم أجسامكم.
المرتبة السادسة: قوله تعالى: {ثم} أي: نمدّ أجلكم {لتبلغوا} بهذا الانتقال في أسنان الأجسام من الرضاع إلى المراهقة إلى البلوغ إلى الكهولة {أشدكم} أي: الكمال والقوّة، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين جمع شدّة كالأنعم جمع نعمة كأنه شدّة في الأمور.
المرتبة السابعة: قوله تعالى: {ومنكم من يتوفى} أي: عند بلوغ الأشدّ أو قبله {ومنكم من يردّ} بالشيخوخة وبناه للمجهول إشارة إلى سهولته عليه لاستبعاده لولا تكرار المشاهدة عند الناظر لتلك القوّة والنشاط وحسن التواصل بين أعضائه والارتباط {إلى أرذل} أي: أخس {العمر} وهو سنّ الهرم فتنقص جميع قواه {لكيلا يعلم من بعد علم} كان أوتيه {شيئًا} أي: ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل وقلة الفهم فينسى ما علمه وينكر من عرفه حتى يسأل عنه من ساعته يقول لك: من هذا؟ فتقول: فلان فما يلبث لحظة إلا سألك عنه.
فإن قيل: هذه الحالة لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أجيب: بأن معنى قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين} هو دلالة على الذمّ، فالمراد به ما يجري مجرى العقوبة، ولذلك قال تعالى: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لَكِن قال عكرمة: من قرأ القران لم يصر إلى هذه الحالة، وقد علم بعود الإنسان في ذهاب العلم وصغر الجسم إلى نحو ما كان عليه في ابتداء الخلق قطعًا أن الذي أعاده إلى ذلك قادر على إعادته بعد الممات، ولما تم هذا الدليل على الساعة بحكم المقدّمات وأصح النتائج، وكان أوّل الإيجاد فيه غير مشاهد ذكر الله تعالى دليلًا آخر على البعث مشاهدًا بقوله: {وترى الأرض هامدة} أي: يابسة ساكنة سكون الميت {فإذا أنزلنا} أي: بما لنا من القدرة {عليها الماء اهتزت} أي: تحركت وتأهلت لإخراج النبات {وربت} أي: ارتفعت، وذلك أوّل ما يظهر منها للعين، وزادت ونمت بما يخرج منها من النبات الناشيء عن التراب والماء، وقوله تعالى: {وأنبتت} مجاز؛ لأنّ الله تعالى هو المنبت وأضيف إلى الأرض توسعًا أي: أنبتت بتقديرنا لا أنها المنبتة {من كل زوج} أي: صنف {بهيج} أي: حسن نضير من أشتات النبات في اختلاف ألوانها وطعومها وروائحها وأشكالها ومنافعها ومقاديرها، قال الجلال المحلي: من زائدة، ولم أرَ من ذكر ذلك من المفسرين.
تنبيه:
في الآية إشارة إلى أنّ النبات كما يتوجه من نقص إلى كمال، فكذلك الإنسان المؤمن يترقى من نقص إلى كمال، ففي المعاد يصل إلى كماله الذي أعدّ له من البقاء والغنى والعلم والصفاء والخلود في دار السلام مبرأ عن عوارض هذا العالم، ولما قرّر سبحانه هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب والنتيجة، وذكر أمورًا خمسة أحدها قوله تعالى: {ذلك} أي: المذكور من بدء الخلق إلى آخر إحياء الأرض {بأنّ} أي: بسبب أن تعلموا أنّ {الله} أي: الجامع لأوصاف الكمال {هو} أي: وحده {الحق} أي: الثابت الدائم وما سواه فان، ثانيها قوله تعالى: {وأنه يحيي الموتى} أي: قادر على ذلك وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة، ثالثها: قوله تعالى: {وأنه على كل شيء} من الخلق وغيره {قدير} {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس]. رابعها: قوله تعالى: {وأن الساعة} التي تقدّم ذكرها وتقدّم التحذير منها وهي حشر الخلائق كلهم {آتية لا ريب} أي: لا شك {فيها} أي: بوجه من الوجوه مما دلّ عليها مما لا سبيل إلى إنكاره بقول من لا مرد لقوله، وهو حكيم لا يخلف ميعاده، ولا يسوغ بوجه أن يترك عباده بغير حساب، خامسها: قوله تعالى: {وأنّ الله يبعث} بالإحياء {من في القبور} بمقتضى وعده الذي لا يقبل الخلف، وقد وعد الساعة والبعث، فلابد أن يفي بما وعد ونزل في أبي جهل بن هشام كما قاله ابن عباس:
{ومن الناس من يجادل} أي: بغاية جهده {في الله} أي: في قدرته وما يجمعه هذا الاسم الشريف من صفاته بعد هذا البيان الذي لا مثل له ولا خفاء فيه {بغير علم} أتاه عن الله تعالى على لسان أحد من أصفيائه أعمّ من أن يكون كتابًا أو غيره {ولا هدى} أرشده إليه أعمّ من كونه بضرورة أو استدلال {ولا كتاب منير} له نور منه صح لديه أنه من الله تعالى، ومن المعلوم أنه بانتفاء هذه الثلاثة لا يكون جداله إلا بالباطل، وقيل: قوله تعالى: {ومن الناس} كرّر كما كرّرت سائر الأقاصيص، وقيل: الأوّل في المقلدين، وهذا في المقلدين، وقوله تعالى: {ثاني عطفة} حال أي: لاوي عنقه تكبرًا عن الإيمان كما قال تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرًا} [لقمان].
والعطف في الأصل الجانب عن يمين أو شمال، وقوله تعالى: {ليضلّ عن سبيل الله} علة للجدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بضمها.
فإن قيل: على قراءة الضمّ ما كان غرضه في جداله الضلال لغيره عن سبيل الله، فكيف علل به وما كان على قراءة الفتح مهتديًّا حتى إذا جادل خرج بالجدال عن الهدى إلى الضلال؟
أجيب عن الأوّل: بأن جداله لما أدّى إلى الضلال جعل كأنه غرضه، وعن الثاني: بأنّ الهدى لما كان معرّضًا له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال الباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال. ولما ذكر فعله وثمرته ذكر ما أعدّ له عليه في الدنيا بقوله تعالى: {له في الدنيا خزي} أي: إهانة وذل وإن طال زمن استدراجه بتنعيمه حق على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه، وما أعدّ له عليه في الآخرة بقوله تعالى: {ونذيقه يوم القيامة} الذي يجمع فيه الخلائق بالإحياء بعد الموت {عذاب الحريق} أي: الإحراق بالنار، وعن الحسن قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرّة ويقال له حقيقة أو مجازًا.
{ذلك} أي: العذاب العظيم {بما قدمت يداك} أي: بعملك، ولَكِن جرت عادة العرب أن تضيف الأعمال إلى اليد؛ لأنها آلة أكثر العمل وإضافة ما يؤدي إليهما أنكى {وأنّ} أي: وبسبب أنّ {الله ليس بظلام} أي: بذي ظلم ما {للعبيد} وإنما هو مجاز لهم على أعمالهم أو أن المبالغة لكثرة العبيد. ونزل في قوم من الإعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهرًا وولدت امرأته غلامًا وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت به خيرًا، واطمأن به، وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا شرًّا، فينقلب عن دينه.
{ومن الناس من يعبد الله} أي: يعمل على سبيل الاستمرار والتجدّد بما أمر الله به من طاعته {على حرف} فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره لا استقرار له، وكالذي على طرف من العسكر، فإن رأى غنيمة استمرّ، وإن توهم خوفًا طار وفرّ، وذلك معنى قوله تعالى: {فإن أصابه خير} أي: من الدنيا {اطمأنّ به} أي: بسببه وثبت على ما هو عليه {وإن أصابته فتنة} أي: محنة وسقم في نفسه وماله {انقلب على وجهه} أي: رجع إلى الكفر، وعن أبي سعيد الخدريّ: «أن رجلًا من اليهود أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال، فنزلت» ولما كان انقلابه هذا مفسدة لدنياه ولآخرته قال تعالى: {خسر الدنيا} بفوات ما أمّله منها ويكون ذلك سبب التقتير عليه قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}، وروي «إنّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيب».
{والآخرة} بالكفر، ثم عظم مصيبته بقوله تعالى: {ذلك} أي: الأمر العظيم {هو} أي: لا غيره. {الخسران المبين} أي: البين إذ لا خسران مثله ثم بين هذا الخسران الذي ردّه إلى ما كان فيه قبل الإيمان الحرفيّ بقوله تعالى: {يدعو} أي: يعبد حقيقة أو مجازًا {من دون اللَّه} أي: غير من الصنم {ما لا يضرّه} إن لم يعبده {وما لا ينفعه} إن عبده {ذلك} أي: الدعاء {هو الضلال البعيد} عن الحق والرشاد استعير الضلال البعيد من ضلال من أبعد في التيه ضالًا فطالت وبعدت مسافة ضلاله.
ولما كان الإحسان جالبًا للإنسان لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها بَيَّن أن ما قيل في جلب النفع إنما هو على سبيل الفرض، فقال تعالى: {يدعو لمن} أي: من {ضرّه} بكونه معبودًا، لأنه يوجب القتل والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة {أقرب من نفعه} الذي يتوقع منه بعبادته، وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى.
تنبيه:
علم مما تقرّر أنّ اللام في لمن مزيدة كما قال الجلال المحلي، فإن قيل: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا متناقض.
أجيب بأنّ المعنى إذا حصل ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادًا لا يملك ضرًّا ولا نفعًا فيه بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع به ثم يوم القيامة يقوم هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم بدليل قوله تعالى: {لبئس المولى} أي: الناصر هو {ولبئس العشير} أي: الصاحب هو قال الرازيّ وهذا الوصف بالرؤساء أليق لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء.
ولما بين سبحانه وتعالى حال الكفار عقبه بحال المؤمنين بقوله تعالى: {إنّ الله} أي: الجامع لجميع صفات الكمال المنزه عن جميع شوائب النقص {يُدخل الذين آمنوا} بالله ورسله {وعملوا} تصديقًا لإيمانهم {الصالحات} من الفروض والنوافل الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان {جنات تجري من تحتها} أي: في أيّ مكان من أرضها {الأنهار}.
ولما بين سبحانه وتعالى حال الفريقين قال تعالى: {إن الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {يفعل ما يريد} من إكرام من يطيعه وإهانة من بعصيه لا دافع له ولا مانع وقوله تعالى: {من كان يظنّ أن لن بنصره الله في الدنيا والآخرة} فيه اختصار والمعنى أنّ الله ناصر رسوله في الدنيا والآخر فمن كان يظنّ خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه فالضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل لم يجر له ذكر في هذه الآية: {أجيب} بأنّ فيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله تعالى: {إن الله يُدخل الذين آمنوا} والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله، وقيل: الضمير راجع إلى من في أوّل الآية لأنه المذكور ومن حق الَكِناية أن ترجع إلى المذكور إذا أمكن ذلك، وعلى هذا المراد بالنصر الرزق. قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر فقال: من ينصرني نصره الله؟ أي: من يعطني أعطاه الله فكأنه قال من كان يظنّ أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة {فليمدد بسبب} أي: بحبل {إلى السماء} أي: سقف بيته يشدّ بينه وبين عنقه {ثم ليقطع} أي: ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح. وقيل: فليمدد حبلًا إلى سماء الذنيا ثم ليصعد عليه فيجتهد في دفع نصر النبي صلى الله عليه وسلم على الأوّل، أو يحصل رزقه على الثاني، وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام والباقون بسكونها {فلينظر} ببصره وبصيرته {هل يُذهبنّ} وإن اجتهد {كيده} في عدم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وإعلاء كلمته أو أنّ ذلك لا يغلب القسمة فإنّ الأرزاق بيد الله لا تنال إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى وهذا كما يقال لمن أدبر عنه أمر فجزع: اضرب برأسك الجدار إن لم ترض هذا، مت غيظًا ونحو ذلك، والحاصل: إن لم يصبر طوعًا صبر كرهًا واختلف في سبب نزول هذه الآية على القولالأوّل فذكروا فيها وجوهًا.